تفسير الخطيب الشربيني - ج ٤

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري

تفسير الخطيب الشربيني - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4207-0

الصفحات: ٧٢٨

على الانفكاك عنه (لِآياتِنا) على ما لها من العظمة خاصة لكونها هادية إلى الوحدانية لا إلى غيرها من الشبه القائدة إلى الشرك (عَنِيداً) قال قتادة : أي : جاحدا. وقال مقاتل : معرضا. وقال مجاهد : إنه المجانب للحق. وجمع العنيد عند ، مثل رغيف ورغف والعنيد بمعنى المعاند ، والعناد كما قال الملوي من كبر في النفس ويبس في الطبع وشراسة في الأخلاق أو خبل في العقل ، وقد جمع ذلك كله إبليس لعنه الله تعالى لأنه خلق من نار وهي من طبعها اليبوسة وعدم الطواعية.

تنبيه : في الآية إشارة إلى أنّ الوليد كان معاندا في أمور كثيرة منها أنه كان يعاند في دلائل التوحيد وصحة النبوّة وصحة البعث ، ومنها أنّ كفره كان عنادا لأنه كان يعرف هذه الأشياء بقلبه وينكرها بلسانه. وكفر العناد أفحش أنواع الكفر ، ومنها أنّ قوله تعالى كان يدل على أنّ هذه حرفته من قديم الزمان.

(سَأُرْهِقُهُ) أي : أكلفه (صَعُوداً) أي : مشقة من العذاب لا راحة له فيها. وروى الترمذي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي» (١) وفي رواية أنه «كلما وضع يده في معالجة الصعود ذابت فإذا رفعها عادت وكذا رجله» (٢) وقال الكلبي : إنه صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها يجذب من أمامه بسلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين عاما فإذا بلغ ذروتها أسقط إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها فذلك دأبه أبدا.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))

(إِنَّهُ) أي : هذا العنيد (فَكَّرَ) أي : ردّد فكره وأداره تابعا لهواه لأجل الوقوع على شيء يطعن به في القرآن أو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَقَدَّرَ) أي : أوقع تقدير الأمور التي يطعن بها وقاسها في نفسه لعلمه أنها أقرب إلى القبول وذلك أنّ الله تعالى لما أنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) إلى قوله تعالى : (الْمَصِيرُ) [غافر : ٢ ـ ٣] قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته ، فلما فطن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال : والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه ، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش : صبأ والله الوليد ، والله لتصبأنّ قريش كلهم. فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا ، فقال له الوليد : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ قال : وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على

__________________

(١) أخرجه الترمذي في جهنم حديث ٢٥٧٦.

(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ٥٥٦٩.

٤٨١

كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وأنك داخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة تسأل من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال : ألم تعلم أني من أكثرهم مالا وولدا ، وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ، ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم : تزعمون أنّ محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا : اللهمّ لا ، قال : تزعمون أنه كاهن ، فهل رأيتموه قط تكهن؟ فقالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط؟ قالوا : اللهمّ لا. قال : تزعمون أنه كذاب فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا : اللهمّ لا. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمى الأمين قبل النبوّة من صدقه ، فقالت قريش للوليد : فما هو؟ فتفكر في نفسه وقدّر ما أسرّ».

قال الله تعالى : (فَقُتِلَ) أي : هلك وطرد ولعن في دنياه هذه (كَيْفَ قَدَّرَ) أي : على أي : كيفية أوقع تقديره هذا.

(ثُمَّ قُتِلَ) أي : هلك ولعن هذا العنيد هلاكا ولعنا هو في غاية العظمة فيما بعد الموت في البرزخ والقيامة. (كَيْفَ قَدَّرَ) فثم للدلالة على أنّ الثانية أبلغ من الأولى ونحوه قوله (١) :

ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي

ومعنى قول القائل : قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره للإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ، ويدعو عليه حاسده بذلك. وأما ثم المتوسطة بين الأفعال التي بعدها فهي للدلالة على أنه تأنى في التأمل وتمهل وكان بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد.

وقوله تعالى : (ثُمَّ نَظَرَ) عطف على فكر وقدر والدعاء اعتراض بينهما والنظر إما في وجوه قومه وإما فيما يقدح به في القرآن.

(ثُمَّ عَبَسَ) أي : قبض وجهه وكلحه ونظر مع تقبض جلد وما بين العينين بكراهة شديدة كالمهتم للتفكر في شيء وهو لا يجد فيه فرجا لأنه ضاقت عليه الحيل لكونه لم يجد فيما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مطعنا. وقيل : عبس وجهه في وجوه المؤمنين ، وذلك أنه لما قال لقريش : إن محمدا ساحر مرّ على جماعة من المسلمين ، فدعوه إلى الإسلام فعبس في وجوههم. وقيل : عبس على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دعاه (وَبَسَرَ) أي : زاد في القبض والكلح ، يقال : وجه باسر ، أي : منقبض أسود كالح متغير اللون قاله قتادة.

(ثُمَ) أي : بعد هذا التروي العظيم (أَدْبَرَ) أي : عما أداه إليه فكره من الإيمان بسلامة المنظور فيه وعلوّه عن المطاعن فحاد عن وجوه الأفكار إلى أقفيتها (وَاسْتَكْبَرَ) أي : أوجد الكبر عن الاعتراف بالحق إيجاد من هو في غاية الرغبة فيه.

(فَقالَ) أي : عقب ما جرّه إليه طبعه الخبيث من إيقاع الكبر على هذا الوجه لكونه رآه نافعا لهم في الدنيا (إِنْ) أي : ما (هذا) أي : الذي أتى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا سِحْرٌ) أي : أمور تخييلية لا حقائق لها وهي لدقتها بحيث تخفى أسبابها ، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وماله وولده

__________________

(١) عجزه :

ثلاث تحيّات وإن لم تكلّمي

والبيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص ١٣٣ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٥٣ ، وشرح المفصل ٣ / ٣٩.

٤٨٢

ومواليه ، فما هو إلا سحر (يُؤْثَرُ) أي : من شأنه أن ينقله السامع عن غيره ، فهو ينقله من مسيلمة وأهل بابل كما قال :

(إِنْ) أي : ما (هُوَ) أي : القرآن (إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي : ليس فيه شيء عن الله تعالى فلا يغتر أحد به ولا يعرج عليه فارتج النادي فرحا ، ثم تفرّقوا معجبين بقوله متعجبين منه قيل : وهذا شبيه بما قال بعضهم (١) :

لو قيل كم خمس وخمس لاغتدى

يوما وليلته يعدّ ويحسب

ويقول معضلة عجيب أمرها

ولئن فهمت لها لأمري أعجب

خمس وخمس ستة أو سبعة

قولان قالهما الخليل وثعلب

ان قوله هذا سبب هلاكه فكان كما قال بعضهم (٢) :

احفظ لسانك أيها الإنسان

لا يلدغنك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانت تهاب لقاءه الشجعان

وقوله تعالى : (سَأُصْلِيهِ) أي : أدخله (سَقَرَ) أي : جهنم بوعد لا بدّ منه عن قريب بدل من (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً.)

وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) تعظيم لشأنها.

وقوله تعالى : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) بيان لذلك أو حال من سقر ، والعامل فيها معنى التعظيم ، والمعنى : لا تبقي شيئا يلقى فيها إلا أهلكته ، فإذا أهلكته لم تذره هالكا حتى يعاد أو لا تبقي على شيء ولا تدعه من الهلاك ، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة ، وسميت سقر من سقرته الشمس إذا أذابته ، ولا تنصرف للتعريف والتأنيث. قال ابن عباس : سقر اسم للطبقة السادسة ، فإنّ درك النار سبعة جهنم ولظى والحطمة والسعير والجحيم وسقر والهاوية.

(لَوَّاحَةٌ) من لوح الهجير قال (٣) :

تقول ما لاحك يا مسافر

يا ابنة عمي لاحني الهواجر

(لِلْبَشَرِ) أي : محرقة لظاهر الجلد فتدعه أشدّ سوادا من الليل قال تعالى : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) [المؤمنون : ١٠٤] والبشر أعالي البشرة وهو جمع بشرة وجمع البشر أبشار. وعن الحسن : تلوح للناس كقوله تعالى : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٧] وقيل : اللوح شدة العطش يقال : لاحه العطش ولوحه ، أي : غيره. وقال الأخفش : والمعنى : أنها معطشة للبشر ، أي : لأهلها وأنشد (٤) :

سقتني على لوح من الماء شربة

سقاها من الله الرهام النواديا

يعني باللوح شدّة العطش والرّهام جمع رهمة بالكسر وهي المطرة الضعيفة ، وأرهمت السحابة أتت بالرهام.

__________________

(١) الأبيات لم أجدها في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٢) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(٤) البيت لم أجده.

٤٨٣

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) أي : من الملائكة وهم خزنتها مالك ومعه ثمانية عشر ، وقيل : التسعة عشر نقباء. وقال أكثر المفسرين : تسعة عشر ملكا بأعيانهم. وقيل : تسعة عشر ألف ملك. قال ابن جريج : نعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خزنة جهنم فقال : «أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي ، وأشعارهم تمس أقدامهم يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، نزعت منهم الرحمة ، يدفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم» (١). قال عمرو بن دينار : إنّ واحدا منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. قال ابن الأثير : الصياصي قرون البقر.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمّهاتكم أسمع ابن أبي كبشة يخبر أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم ـ يعني الشجعان ـ أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم؟ فقال أبو الأشد بن كلدة بن خلف الجمحي : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين. وروي أنه قال : أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وسبعة بمنكبي الأيسر في النار ، ونمضي فندخل الجنة ، فأنزل الله عزوجل : (وَما جَعَلْنا) أي : بما لنا من العظمة وإن خفي وجه العظمة فيه على من عمي قلبه (أَصْحابَ النَّارِ) أي : خزنتها (إِلَّا مَلائِكَةً) أي : لم نجعلهم رجالا فتغالبوهم وإنما جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنسي الفريقين من الجنّ والإنس فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرحمة والرأفة ولأنهم أشدّ بأسا وأقوى بطشا فقوّتهم أعظم من قوّة الإنس والجنّ ولذلك جعل الرسول إلى البشر من جنسهم ليكون له رأفة ورحمة بهم.

فإن قيل : ثبت في الأخبار أنّ الملائكة مخلوقون من النور فكيف تطيق المكث في النار؟ أجيب : بأنّ الله تعالى قادر على كل الممكنات فكما أنه لا استبعاد في أنه يبقي الحي في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد ولا يموت ، فكذا لا استبعاد في إبقاء الملائكة هناك من غير ألم.

(وَما جَعَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (عِدَّتَهُمْ) أي : مذكورة ومحصورة (إِلَّا فِتْنَةً) أي : بلية (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ضلالة وفتنة مفعول ثان على حذف مضاف أي : إلا سبب فتنة وللذين صفة الفتنة وليست فتنة مفعولا له. وقول البيضاوي وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم وهو التسعة عشر تبعا للزمخشري ، قال أبو حيان : إنه تحريف لكتاب الله إذ زعم أنّ معنى إلا فتنة للذين كفروا إلا تسعة عشر وهذا لا يذهب إليه عاقل ولا من له أدنى ذكاء.

وقال الرازي : إنما صار هذا العدد سببا لفتنة الكفار من وجهين : الأوّل : أنّ الكفار يستهزئون ويقولون لم لا يكونون عشرين ، وما المقتضي لتخصيص هذا العدد. والثاني : أن الكفار يقولون هذا العدد القليل كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر العالم من الجنّ والإنس من أوّل ما خلق الله إلى قيام الساعة؟

وأجيب : عن الأوّل بأنّ هذا السؤال لازم على كل عدد يفرض ، وعن الثاني بأنه لا يبعد أن الله تعالى يرزق ذلك العدد القليل قوّة تفي بذلك ، فقد اقتلع جبريل عليه‌السلام مدائن قوم لوط على أحد جناحيه ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها

__________________

(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٥ / ١٧٧.

٤٨٤

سافلها ، وأيضا فأحوال القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا ولا للعقل فيها مجال. وذكر أرباب المعاني في تقرير هذا العدد وجهين :

أحدهما : ما قاله أرباب الحكمة إنّ سبب فساد النفس الإنسانية في قوّتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية ، فالقوى الحيوانية هي الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة والشهوة والغضب فهذه اثنا عشر ، وأما القوى الطبيعية فهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة ، فالمجموع تسعة عشر فلما كانت هذه منشآت لا جرم كان عدد الزبانية هكذا.

ثانيهما : أنّ أبواب جهنم سبعة فستة منها للكفار وواحد للفساق ، ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة : ترك الاعتقاد وترك الإقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الأبواب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانية عشر ، وأما باب الفساق فليس هناك إلا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر مشغولة بغير العبادة فلا جرم صار عدد الزبانية تسعة عشر.

وقوله تعالى : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ) متعلق بجعلنا لا بفتنة. وقيل : بفعل مضمر أي : فعلنا ذلك ليستيقن الذين (أُوتُوا الْكِتابَ) أي : أعطوا التوراة والإنجيل ، فإنه مكتوب فيهما أنه تسعة عشر ، فذلك موافقة لما عندهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : من أهل الكتاب (إِيماناً) أي : تصديقا لموافقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما في كتبهم (وَلا يَرْتابَ) أي : يشك (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) في عددهم.

فإن قيل : قد أثبت الاستيقان لأهل الكتاب وزيادة الإيمان للمؤمنين فما فائدة (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ؟) أجيب : بأنّ الإنسان إذا اجتهد في أمر غامض دقيق الحجة كثير الشبه ، فحصل له اليقين فربما غفل عن مقدّمة من مقدّمات ذلك الدليل الدقيق فيعود الشك فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك ، ففائدة هذه الجملة نفي ذلك الشك ، وإنه حصل لهم يقين جازم لا يحصل عقبه شك البتة.

(وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق وإن قل ونزول هذه السورة قبل وجود المنافقين فهو علم من أعلام النبوّة فإنه إخبار بمكة عما سيكون بالمدينة بعد الهجرة ولا ينكر جعل الله تعالى بعض الأمور علة إصلاح ناس وفساد آخرين ؛ لأنه لا يسأل عما يفعل على أن العلة قد تكون مقصودة لشيء بالقصد الأوّل ثم يترتب عليها شيء آخر يكون قصده بالقصد الثاني تقول خرجت من البلد لمخافة الشر ومخافة الشر لا يتعلق بها الغرض.

(وَالْكافِرُونَ) أي : ويقول الراسخون في الكفر الجازمون بالتكذيب الساترون لما دلت عليه الأدلة من الحق (ما ذا) أي : أي شيء (أَرادَ اللهُ) أي : الملك الذي له جميع العظمة (بِهذا) أي : العدد القليل في جنب عظمته (مَثَلاً) قال الجلال المحلي : سموه لغرابته بذلك ، وأعرب حالا. وقال الليث : المثل الحديث ومنه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [الرعد : ٣٥] أي : حديثها والخبر عنها. وقال الرازي : إنما سموه مثلا لأنه لما كان هذا العدد عددا عجيبا ظنّ القوم أنه ربما لم يكن مراد الله تعالى منه ما أشعر به ظاهره ، بل جعله مثلا لشيء آخر وتنبيها على مقصود آخر لا جرم سموه مثلا على سبيل الاستعارة لأنهم لما استغربوه ظنوا أنه ضرب مثلا لغيره ، ومثلا تمييز أو حال وتسمية هذا مثلا على سبيل الاستعارة لغرابته.

ولما كان التقدير أراد بهذا إضلال من ضل وهو لا يبالي وهداية من اهتدى وهو لا يبالي كان

٤٨٥

كأنه قيل : هل يفعل مثل ذلك في غير هذا فقال تعالى : (كَذلِكَ) أي : مثل هذا المذكور من الإضلال والهداية (يُضِلُّ اللهُ) أي : الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز (مَنْ يَشاءُ) بأي كلام شاء ، كإضلال الله تعالى أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم (وَيَهْدِي) بقدرته التامّة (مَنْ يَشاءُ) بنفس ذلك الكلام أو بغيره كهداية أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذه الآية تدل على مذهب أهل السنة لأنه تعالى قال في أوّل الآية (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الخ ، ثم قال تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.)

(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بأنواع الإحسان المدبر لأمرك (إِلَّا هُوَ) أي : الله سبحانه وتعالى. قال مقاتل رضي الله عنه : وهذا جواب لأبي جهل حيث قال : ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر. وقال مجاهد رضي الله عنه : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) يعني : من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار ، ولا يعلم عدتهم إلا الله تعالى.

والمعنى : أن تسعة عشر هم خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى ، ولو أراد لجعل الخزنة أكثر من ذلك ، فقد روي أنّ البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا تعود لهم نوبة أخرى (١). وروي أنّ الأرض في السماء كحلقة ملقاة في فلاة ، وكل سماء في التي فوقها كذلك (٢) ، وورد في الخبر : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع ـ وفي رواية موضع قدم ـ إلا وفيه ملك قائم يصلي ـ وفي رواية ساجد» (٣) ـ وإنما خص هذا العدد لحكم لا يعلمها إلا هو.

ثم رجع إلى ذكر سقر فقال تعالى : (وَما هِيَ) أي : النار التي هي من أعظم جنوده (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) أي : ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله وأنه سبحانه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار ، وللبشر مفعول بذكرى واللام فيه مزيدة ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة. وقرأ ورش بين بين ، والباقون بالفتح.

وقوله تعالى :

(كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))

(كَلَّا) ردع لمن أنكرها أو إنكار لأن يتذكروا بها قاله البيضاوي. وقال البغويّ : هذا قسم

__________________

(١) انظر مسلم في الإيمان حديث ١٦٤.

(٢) انظر حلية الأولياء لأبي نعيم ١ / ١٦٧.

(٣) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣١٢.

٤٨٦

يقول حقا. وقال الجلال المحلي : استفتاح بمعنى ألا (وَالْقَمَرِ) أي : الذي هو آية الليل الهادية من ضل بظلامه.

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) أي : مضى فانقلب راجعا من حيث جاء فانكشف ظلامه ، وقرأ نافع وحمزة وحفص بسكون الذال المعجمة والدال المهملة بعدها وهمزة قطع مفتوحة بين المعجمة والمهملة الساكنين ، والباقون بفتح الذال المعجمة وبعدها ألف وفتح المهملة بعد الألف ، فالقراءة الأولى إذ أدبر والثانية إذا دبر وكلاهما لغة. يقال : دبر الليل وأدبر إذا ولى مدبرا ذاهبا. قال أبو عمرو : ودبر لغة قريش ، وقال قطرب : دبر أي : أقبل ، تقول العرب دبرني فلان أي : جاء خلفي فالليل يأتي خلف النهار.

وقوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أي : أضاء وتبين.

وقوله تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) جواب للقسم أو تعليل لكلا ، والقسم معترض للتوكيد ، والكبر جمع الكبرى جعلت ألف التأنيث كتائها ، فلما جمعت فعلة على فعل جمعت فعلى عليها. ونظير ذلك القواصع في جمع القاصعاء كأنها جمع فاعلة ، أي : لإحدى البلايا والدواهي الكبر. ومعنى كونها إحداهنّ أنها من بينهنّ واحدة في العظم لا نظير لها ، كما تقول : هو أحد الرجال وهي إحدى النساء.

وقوله تعالى : (نَذِيراً) تمييز من إحدى على معنى أنها لإحدى الدواهي إنذارا كما تقول هي إحدى النساء عفافا وقيل : هي حال وقيل : هو متصل بأوّل السورة أي : قم نذيرا (لِلْبَشَرِ) قال الزمخشري : وهو من بدع التفاسير.

وقوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ) أي : بإرادته (مِنْكُمْ) بدل من البشر (أَنْ يَتَقَدَّمَ) أي : إلى الخير أو إلى الجنة بالإيمان (أَوْ يَتَأَخَّرَ) أي : إلى الشر أو النار بالكفر.

(كُلُّ نَفْسٍ) أي : ذكر أو أنثى على العموم (بِما كَسَبَتْ) أي : خاصة لا ما كسب غيرها (رَهِينَةٌ) أي : مرهونة مأخوذة وليست بتأنيث رهين في قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١] لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصفة لقيل : رهين ، لأنّ فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن. ومنه بيت الحماسة (١) :

أبعد الذي بالنعف نعف كويكب

رهينة رمس ذي تراب وجندل

كأنه قال : والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك.

(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) وهم المؤمنون فإنهم فكوا رقابهم بإيمانهم وبما أحسنوا من أعمالهم وقيل : هم الملائكة ، وروي عن علي أنهم أطفال المسلمين. وقال مقاتل رضي الله عنه : هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال لهم الله : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وعنه أيضا : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم. وقال الحسن رضي الله عنه : هم المسلمون الخالصون. وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها بخير أو شر إلا من اعتمد على الفضل ، فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ، ومن اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أساس البلاغة (رهن).

٤٨٧

ولما أخرجهم من حكم الارتهان الذي أطلق على الإهلاك لأنه سببه استأنف بيان حالهم فقال تعالى : (فِي جَنَّاتٍ) أي : بساتين في غاية العظم لأنهم أطلقوا أنفسهم وفكوا رقابهم فلم يرتهنوا (يَتَساءَلُونَ) أي : فيما بينهم يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم.

(عَنِ الْمُجْرِمِينَ) أي : عن أحوالهم ويقولون لهم بعد إخراج الموحدين من النار : (ما) محتملة للاستفهام والتعجب والتوبيخ (سَلَكَكُمْ) أي : أدخلكم أيها المجرمون إدخالا هو في غاية الضيق حتى كأنكم السلك في الثقب ، وقرأ السوسي بإدغام الكاف في الكاف والباقون بالإظهار (فِي سَقَرَ.)

فأجابوا بأن (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) أي : صلاة يعتدّ بها فكان هذا تنبيها على أنّ رسوخ القدم في الصلاة مانع من مثل حالهم وعلى أنهم معاقبون على فروع الشريعة وإن كانت لا تصلح منهم ، فلو فعلوها قبل الإيمان لم يعتدّ بها وعلى أنّ الصلاة أعظم الأعمال وأنّ الحسنات بها تقدّم على غيرها.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) أي : نعطيه ما يجب علينا إعطاؤه له.

(وَكُنَّا نَخُوضُ) أي : نوجد الكلام الذي هو في غير مواقعه ولا علم لنا به إيجاد المشي من الخائض في ماء غمر (مَعَ الْخائِضِينَ) بحيث صار لنا هذا وصفا راسخا ، فنقول في القرآن : إنه سحر ، وإنه شعر ، وإنه كهانة ، وغير هذا من الأباطيل لا نتورّع عن شيء من ذلك ولا نقف مع عقل ولا نرجع إلى صحيح نقل ، فليأخذ الذين يبادرون إلى الكلام في كل ما يسألون عنه من أنواع العلم من غير تثبت منزلتهم من هنا.

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ) أي : بحيث صار ذلك وصفا ثابتا (بِيَوْمِ الدِّينِ) أي : بيوم البعث والجزاء.

(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي : الموت أو مقدّماته الذي قطعنا عن دار العمل. قال الله تعالى (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩].

فإن قيل : لم أخر التكذيب وهو أخس الخصال الأربع؟ أجيب : بأنهم بعد اتصافهم بتلك الأمور الثلاثة كانوا مكذبين بيوم الدين ، والغرض تعظيم الذنب كقوله تعالى : (كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا.)

ولما أقرّوا على أنفسهم بما أوجب العذاب الدائم فكانوا ممن فسد مزاجه فتعذر علاجه سبب عنه قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ) أي : في حال اتصافهم بهذه الصفات (شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) أي : لا شفاعة لهم فلا انتفاع بها ، وليس المراد أن ثم شفاعة غير نافعة. كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] وهذه الآية تدل على صحة الشفاعة للمذنبين من المؤمنين بمفهمومها ؛ لأنّ تخصيص هؤلاء بأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين يدل على أن غيرهم تنفعهم شفاعة الشافعين. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : يشفع نبيكم عليه الصلاة والسلام رابع أربعة جبرائيل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليهم أجمعين ثم الملائكة ثم النبيون ثم الصدّيقون ثم الشهداء ، ويبقى قوم في جهنم يقال لهم (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) إلى قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ.) قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : فهؤلاء الذين في جهنم.

(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) أي : فما لأهل مكة قد أعرضوا وولوا عن القرآن قال مقاتل

٤٨٨

رضي الله عنه : معرضين عن القرآن من وجهين : أحدهما : الجحود والإنكار ، والثاني : ترك العمل بما فيه ، وقيل : المراد بالتذكرة العظة بالقرآن وغيره من المواعظ ومعرضين حال من الضمير في الجار الواقع خبرا عن ما الاستفهامية ، ومثل هذه الحال تسمى حالا لازمة ، وعن التذكرة متعلق به ، أي : أيّ شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ.

(كَأَنَّهُمْ) في إعراضهم عن التذكرة من شدة النفر (حُمُرٌ) أي : من حمر الوحش وهي أشد الأشياء نفارا ، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل بسرعة السير بالحمر في عدوها إذا وردت ماء فأحست بما يريبها (مُسْتَنْفِرَةٌ) أي : موجدة للنفار بغاية الرغبة حتى كأنها تطلبه من أنفسها لأنه شأنها وطبعها ، وقرأ ابن عامر ونافع بفتح الفاء على أنه اسم مفعول أي : نفرها القناص والباقون بكسرها بمعنى نافرة.

(فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) قال مجاهد رضي الله عنه : هي جماعة الرماة الذين يتصيدونها لا واحد له من لفظه ، وهي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : هو القناص ، وعن زيد بن أسلم : فريق من رجال أقوياء. وكل ضخم شديد عند العرب قسور وقسورة ، وعن أبي المتوكل هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : حبال الصيادين. وقال أبو هريرة رضي الله عنه : هي الأسد ، وهو قول عطاء والكلبي ، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت ، كذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ القرآن هربوا ، وعن عكرمة رضي الله عنه ظلمة الليل ويقال لسواد الليل قسورة ، وفي تشبيههم بالحمر مذمّة ظاهرة وتهجين لحالهم بين كما في قوله تعالى (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥] شهادة عليهم بالبله وقلة العقل.

ولما كان الجواب قطعا لا شيء لهم في إعراضهم هذا أضرب عنه بقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ) أي : على دعواهم في زعمهم (كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي : المعرضين من ادّعائه الكمال في المروءة (أَنْ يُؤْتى) أي : من السماء (صُحُفاً) أي : قراطيس مكتوبة (مُنَشَّرَةً) أي : مفتوحة ، وذلك أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : من ربّ العالمين إلى فلان ابن فلان ونؤمر فيه باتباعك ونظيره (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانوا يقولون : إن كان محمد صادقا ليصبح عند رأس كل واحد منا صحيفة فيها براءته من النار. وقال الكلبي رضي الله عنه : إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارته فائتنا بمثل ذلك. وقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تكتب عليه ، فما لنا لا نرى ذلك. قال البغوي : والصحف جمع الصحيفة ومنشرة منشورة.

قال الله تعالى : (كَلَّا) أي : لا يؤتون الصحف. وقيل : حقا قال البغوي : وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه. قال ابن عادل : والأول أجود لأنه ردّ لقولهم. ثم بين تعالى سبب إعراضهم بقوله تعالى : (بَلْ لا يَخافُونَ) أي : في زمن من الأزمان (الْآخِرَةَ) فهذا هو السبب في إعراضهم.

وقوله تعالى : (كَلَّا) استفتاح قاله الجلال المحلي. وقال البيضاوي : ردع عن إعراضهم. وقال البغوي وتبعه ابن عادل : حقا (إِنَّهُ) أي : القرآن (تَذْكِرَةٌ) أي : عظيمة توجب إيجابا عظيما

٤٨٩

اتباعه وعدم الانفكاك عنه بوجه ، فليس لأحد أن يقول : أنا مغرور لم أجد مذكرا ولا معرّفا فإنّ عنده أعظم مذكر وأشرف معرّف.

(فَمَنْ شاءَ) أي : أن يذكره (ذَكَرَهُ) أي : اتعظ به وجعله نصب عينيه وعلم معناه وتخلق به فمن فعل ذلك سهل عليه لفظه وبعض معانيه فإنه كالبحر الفرات فمن شاء اغترف.

(وَما يَذْكُرُونَ) أي : في وقت من الأوقات (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ذكرهم أو مشيئتهم كقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وهو تصريح بأنّ فعل العبد بمشيئة الله تعالى. وقرأ نافع بتاء الخطاب وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب والباقون بياء الغيبة حملا على ما تقدم من قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ.)

(هُوَ) أي : الله سبحانه وتعالى وحده (أَهْلُ التَّقْوى) أي : أن يتقيه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي : وحقيق أن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب ؛ لأنّ له الجمال واللطف وهو القادر ولا قدرة لغيره فلا ينفعه شيء ولا يضرّه روى الترمذي وأحمد والحاكم عن أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في هذه الآية : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) يقول الله تعالى : «أنا أهل أن أتقى فمن اتقى أن يشرك بي غيري فأنا أهل أن أغفر له» (١) ووقف الكسائي على (أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) بالإمالة على أصله وورش بترقيق الراء وقفا ووصلا على أصله.

وقول البيضاوي تبعا للزمخشري إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر أعطاه الله تعالى عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وكذب به» (٢) حديث موضوع.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٣٢٨ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٩٩ ، والدارمي في الرقاق حديث ٢٧٢٤.

(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٦٥٨.

٤٩٠

سورة القيامة

مكية ، وهي تسع وثلاثون آية ، ومائة وسبع وتسعون كلمة ، وستمائة واثنان وخمسون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ) الذي له الجلال والكمال (الرَّحْمنِ) الذي عمّ بنعمة الإيجاد أهل الهدى والضلال (الرَّحِيمِ) الذي سدد أهل العناية في الأفعال والأقوال.

واختلف في لا في قوله تعالى :

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣))

(لا أُقْسِمُ) على أوجه :

أحدها : أنها نافية لكلام المشركين المنكرين للبعث أي : ليس الأمر كما زعموا ثم ابتدأ أقسم (بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) قال القرطبي : إن القرآن جاء بالردّ على الذين أنكروا البعث والجنة والنار ، فجاء الإقسام بالردّ عليهم كقولك : لا ، والله لا أفعل فلا ردّ لكلام قد مضى كقولك : لا ، والله إن القيامة لحق كأنك أكذبت قوما أنكروه.

الثاني : أنها مزيدة مثلها في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩].

واعترضوا هذا بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله. وأجيب : بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض يدل على ذلك أنه قد يجيء ذكر الشيء في سورة ويذكر جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] وجوابه في سورة أخرى (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] وإذا كان كذلك كان أوّل هذه السورة جاريا مجرى الوسط ، وردّ هذا بأنّ القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها ، فذلك غير جائز.

الثالث : قال الزمخشري : إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم ،

٤٩١

قال امرؤ القيس (١) :

لا وأبيك ابنة العامريّ

لا يدّعي القوم أني أفر

وفائدتها : توكيد القسم ، ثم قال الزمخشري بعد أن ذكر وجه الزيادة والاعتراض : والجواب كما تقدّم والوجه أن يقال : هي للنفي ، والمعنى في ذلك : أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له يدل عليه قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الجمعة : ٧٥ ـ ٧٦] فكأنه بإدخال حرف النفي يقول : إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام ، يعني أنه يستأهل فوق ذلك. قال بعضهم : قول الزمخشري : والوجه أن يقال إلى آخره تقرير لقوله : إدخال لا النافية فيه على فعل القسم مستفيض إلى آخره. وحاصل كلامه يرجع إلى أنها نافية وأنّ النفي متسلط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه ، وليس فيه نفع لفظا ولا معنى ، وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بغير ألف بعد اللام والهمزة مضمومة والباقون بالألف ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر وعن قراءة الباقين بالمدّ.

ولا خلاف في قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) في المدّ والكلام في لا المتقدّمة وجرى الجلال المحلي على أنها زائدة في الموضعين. واختلف في النفس اللوامّة فقيل : هي نفس المؤمن الذي لا تراه يلوم إلا نفسه تقول : ما أردت بكذا ولا تراه يعاتب إلا نفسه. وقال الحسن رضي الله عنه : هي والله نفس المؤمن ما ترى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي ما أردت بحديثي ، والفاجر لا يحاسب نفسه. وقال مجاهد رضي الله عنه : هي التي تلوم على ما فات ، فتلوم نفسها على الشرّ لم فعلته ، وعلى الخير لم لا تستكثر منه ، وقيل : تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها. وقيل : المراد آدم عليه‌السلام لم يزل لائما نفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة. وقيل : هي الملومة فتكون صفة ذمّ وهو قول من نفى أن تكون قسما ، وعلى الأوّل صفة مدح فيكون القسم بها سائغا. وقال مقاتل رضي الله عنه : هي نفس الكافر يلوم نفسه تحسرا في الآخرة على ما فرّط في جنب الله تعالى.

وجواب القسم محذوف أي : لتبعثنّ دل عليه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أي : هذا النوع الذي جبل على الأنس بنفسه والنظر في عطفيه وأسند الفعل إلى النوع كله ؛ لأنّ أكثرهم كذلك لغلبة الحظوظ على العقل إلا من عصم الله تعالى ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها (أَلَّنْ) أي : أنا لا (نَجْمَعَ) أي : على ما لنا من العظمة (عِظامَهُ) أي : التي هي قالب بدنه فنعيدها كما كانت بعد تمزقها وتفتتها للبعث والحساب.

وقيل : نزلت في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة خال الأخنس بن شريق الثقفي وذلك أن عديا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد حدّثني عن القيامة متى تقوم؟ وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك ، أو يجمع الله العظام بعد تفرّقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض ولهذا كان

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو في ديوان امرئ القيس ص ١٥٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٥ ، والشعر والشعراء ١ / ١٢٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٤٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٩٦.

٤٩٢

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اللهمّ اكفني جاري السوء عدي بن ربيعة والأخنس بن شريق» (١) وقيل : نزلت في عدوّ الله أبي جهل أنكر البعث بعد الموت وذكر العظام ، والمراد نفسه كلها لأنّ العظام قالب الخلق.

تنبيه : ألن هنا موصولة وليس بين الهمزة واللام نون في الرسم كما ترى.

وقوله تعالى : (بَلى) إيجاب لما بعد النفي المنسحب عليه الاستفهام وهو وقف حسن ، ثم يبتدئ بقوله تعالى : (قادِرِينَ) وقيل : المعنى : بل نجمعها قادرين مع جمعها (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أي : أصابعه وسلامياته وهي عظامه الصغار التي في يده ، خصها بالذكر لأنها أطرافه وآخر ما يتم به خلقه أي : نجمع بعضها على بعض على ما كانت عليه قبل الموت لأنا قدرنا على تفصيل عظامه وتفتيتها ، فنقدر على جمعها وتوصيلها ، وقدرنا على جمع صغار العظام فنحن على جمع كبارها أقدر ، وقال ابن عباس وأكثر المفسرين : على أن نسوي بنانه أي : نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير أو كحافر الحمار أو كظلف الخنزير ، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا ، ولكنا فرّقنا أصابعه حتى يفعل بها ما شاء. وقيل : نقدر أن نصير الإنسان في هيئة البهائم فكيف في صورته التي كان عليها وهو كقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [الواقعة : ٦٠ ـ ٦١].

وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) عطف على أيحسب فيجوز أن يكون استفهاما وأن يكون جوابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي : ليدوم على فجوره فيما يستقبله من زمان لا يبرح عنه ولا يتوب ، هذا قول مجاهد رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : يقدّم الذنب ويؤخر التوبة ، فيقول : سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت على أشرّ أحواله وأسوأ أعماله. وقال الضحاك رضي الله عنه : هو الأجل يقول : أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يكذب بما أمامه من البعث والحساب ، وأصل الفجور الميل وسمي الكافر والفاسق فاجرا لميله عن الحق.

(يَسْئَلُ) أي : سؤال استهزاء أو استبعاد (أَيَّانَ) أي : أي وقت يكون (يَوْمُ الْقِيامَةِ.)

ولما كان الجواب يوم يكون كذا وكذا عدل عنه إلى ما سبب عن استبعاده لأنه أهول فقال تعالى (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي : شخص ووقف لما يرى مما كان يكذب به هذا على قراءة نافع بفتح الراء وأما على قراءة كسرها فالمعنى : تحير ودهش مما يرى وقيل : هما لغتان في التحير والدهشة.

(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي : أظلم وذهب ضوءه ، وقد اشتهر أنّ الخسوف للقمر والكسوف للشمس. وقيل : يكونان فيهما ، يقال : خسفت الشمس وكسفت ، وخسف القمر وكسف. وقيل : الكسوف أوّله والخسوف آخره.

ولم تلحق علامة التأنيث في قوله تعالى (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) لأنّ التأنيث مجازي ، وقيل : لتغليب التذكير ، وردّ لأنه لا يقال : قام هند وزيد عند الجمهور من العرب. وقال الكسائي : حمل على جمع النّيران. وقال الفرّاء : لم يقل جمعت لأنّ المعنى : جمع بينهما قال الفرّاء والزجاج : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه. وقال

__________________

(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٩٣ ، وابن الجوزي في زاد المسير ٨ / ٤١٧ ، والبغوي في تفسيره ٥ / ١٨٢.

٤٩٣

ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم : قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكوّرين مظلمين مقرّنين كأنهما ثوران عقيران في النار ، وقال عطاء بن يسار رضي الله عنه : يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى ، وقيل : يجمعان في نار جهنم لأنهما قد عبدا من دون الله تعالى ولا تكون النار عذابا لهما ، لأنهما جماد ، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكفار وحسرتهم.

وقوله تعالى : (يَقُولُ الْإِنْسانُ) أي : لشدّة روعه جريا مع طبعه جواب إذا من قوله تعالى (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. يَوْمَئِذٍ) أي : إذا كانت هذه الأشياء ، وقوله تعالى : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) منصوب المحل بالقول والمفرّ مصدر بمعنى الفرار. قال الماوردي : ويحتمل وجهين : أحدهما : أين المفرّ من الله تعالى استحياء منه. والثاني : أين المفرّ من جهنم حذرا منها. ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن لثقة المؤمن ببشرى ربه تعالى. والثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها. وقيل : أبو جهل خاصة.

وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع عن طلب المفرّ (لا وَزَرَ) أي : لا ملجأ ولا حصن استعير من الجبل. قال السدّي : كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال ، فقال الله تعالى لهم : لا وزر يعصمكم مني يومئذ واشتقاقه من الوزر وهو الثقل (إِلى رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بأنواع الإحسان لا إلى شيء غيره (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ كانت هذه الأمور (الْمُسْتَقَرُّ) أي : استقرار الخلق كلهم ناطقهم وصامتهم ومكان قرارهم وزمانه إلى حكمه سبحانه ومشيئته ظاهرا وباطنا لا حكم لغيره بوجه من الوجوه في ظاهر ولا باطن كما هو في الدنيا. وقال ابن مسعود : المصير والمرجع ، قال الله تعالى (إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العلق : ٨] و (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [المائدة : ١٨] وقال السدّي : المنتهى ، نظيره (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [النجم : ٤٢].

(يُنَبَّأْ) أي : يخبر تخبيرا عظيما (الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ) أي : إذا كان الزلزال الأكبر (بِما قَدَّمَ) قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم : بما قدّم قبل موته من عمل صالح وسيء (وَأَخَّرَ) بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها. وقال ابن عطية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بما قدّم من المعصية وأخر من الطاعة ، وقال قتادة : بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه. وقال مجاهد : بأوّل عمله وآخره. وقال عطاء : بما قدم في أوّل عمره وما أخر في آخر عمره. وقال يزيد بن أسلم : بما قدّم من أموال نفسه وما أخر خلفة للورثة ، والأولى أن يقال ينبأ بجميع ذلك إذ لا منافاة بين هذه الأقوال.

(بَلِ الْإِنْسانُ) أي : كل واحد من هذا النوع (عَلى نَفْسِهِ) أي : خاصة (بَصِيرَةٌ) أي : حجة بينة على أعماله والهاء للمبالغة يعني : أنه في غاية المعرفة بأحوال نفسه ، فيشهد عليه بعمله سمعه وبصره وجوارحه قال الله تعالى : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) [الإسراء : ١٤]. قال البغوي : ويحتمل أن يكون معناه : بل للإنسان على نفسه يعني جوارحه ، فحذف حرف الجر كقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) [البقرة : ٣٣] أي : لأولادكم ، ويجوز أن يكون نعتا لاسم مؤنث أي : بل الإنسان على نفسه عين بصيرة.

(وَلَوْ أَلْقى) أي : ذكر بغاية السرعة ذلك الإنسان من غير تلعثم دلالة على غاية الصدق

٤٩٤

والاهتمام والتملق. وقوله تعالى : (مَعاذِيرَهُ) جمع معذرة على غير قياس قاله الجلال المحلي. أي : لو جاء بكل معذرة ما قبلت منه. وقال الزمخشريّ : المعاذير ليس بجمع معذرة ، وإنما هو اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر ا. ه. قال أبو حيان : وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع وإنما هو من أبنية جموع التكسير ا. ه. وقيل : معاذير جمع معذار وهو الستر ، والمعنى : ولو أرخى ستوره والمعاذير الستور بلغة اليمن قاله الضحاك. وحكى الماورديّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي : ولو تجرّد من ثيابه.

ولما كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل عليه‌السلام القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن ينفلت منه أمره الله تعالى بأن ينصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه حتى يقضي الله تعالى وحيه ثم يعقبه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه بقوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ) أي : بالقرآن (لِسانَكَ) ما دام جبريل عليه‌السلام يقرؤه (لِتَعْجَلَ بِهِ) أي : لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك ، فإنّ هذه العجلة وإن كانت من الكمالات بالنسبة إليك وإلى إخوانك من الأنبياء عليهم‌السلام كما قال موسى عليه‌السلام : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤] نقل صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مقام كامل إلى أكمل منه.

ثم علل النهي عن العجلة بقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا) أي : بما لنا من العظمة لا على أحد سوانا (جَمْعَهُ) أي : في صدرك حتى تثبته وتحفظه (وَقُرْآنَهُ) أي : قراءتك إياه يعني جريانه على لسانك.

(فَإِذا قَرَأْناهُ) عليك بقراءة جبريل عليه‌السلام (فَاتَّبِعْ) أي : بغاية جهدك بإلقاء سمعك وإحضار قلبك (قُرْآنَهُ) أي : قراءته مجموعة على حسب ما أداه رسولنا وجمعناه لك في صدرك ، وكرر تلاوته حتى يصير لك به ملكة عظيمة ، ويصير لك خلقا ، فيكون قائدك إلى كل خير. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نزل جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله تعالى الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) الآية ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أتاه جبريل عليه‌السلام أطرق. فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى» (١) قال سعيد بن جبير : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحركهما فأنزل الله عزوجل الآية.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا) أي : بما لنا من العظمة (بَيانَهُ) أي : بيان ألفاظه ومعانيه لك سواء أسمعته من جبريل عليه‌السلام على مثل صلصلة الجرس أم بكلام الناس المعتاد بالصوت والحروف ، ولغيرك على لسانك وعلى ألسنة العلماء من أمّتك ، والآية مشيرة إلى ترك مطلق العجلة ؛ لأنه إذا نهى عنها في أعظم الأشياء وأهمها كان غيره بطريق الأولى ، والمناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنّ تلك تضمنت الإعراض عن آيات الله تعالى ، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها.

وقوله تعالى : (كَلَّا) استفتاح بمعنى : ألا. وقال الزمخشري : ردع للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عادة

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٢٩ ، ومسلم في الصلاة حديث ٤٤٨ ، والنسائي في الافتتاح حديث ٩٣٥.

٤٩٥

العجلة ، وقال جماعة من المفسرين : حقا ، والأوّل جرى عليه الجلال المحلي وهو أظهر. (بَلْ تُحِبُّونَ) متجدّدة على تجدد الزمان (الْعاجِلَةَ) بدليل أنهم يقبلون غاية الإقبال عليها وحبها أوجب لهم ارتكاب ما يعلمون قبحه ، فإنّ الآخرة والأولى ضرتان من تقرب من أحدهما لا بدّ من تباعده عن الأخرى ، فإن حبك للشيء يعمي ويصم.

(وَتَذَرُونَ) أي : يتركون على أي وجه كان ولو أنه غير مستحسن (الْآخِرَةَ) لأنهم يبغضونها لارتكابهم ما يضرّهم فيها وجمع الضمير وإن كان مبنى الخطاب مع الإنسان للمعنى. وقرأ (يُحِبُّونَ) و (وَيَذَرُونَ) ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بياء الغيبة فيهما حملا على لفظ الإنسان المذكور أوّلا ؛ لأنّ المراد به الجنس ، لأنّ الإنسان بمعنى الناس والباقون بتاء الخطاب فيهما إما خطابا لكفار قريش أي : تحبون يا كفار قريش العاجلة أي : الدار الدنيا والجاه فيها وتتركون الآخرة والعمل لها ، وإما التفاتا عن الإخبار عن الجنس المتقدّم والإقبال عليه بالخطاب.

ولما ذكر تعالى الآخرة التي أعرضوا عنها ذكر ما يكون فيها بيانا لجهلهم وسفههم وقلة عقولهم وترهيبا لمن أدبر عنها وترغيبا لمن أقبل عليها لطفا بهم ورحمة لهم فقال تعالى : (وُجُوهٌ) أي : من المحشورين وهم جميع الخلائق (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ تقوم الساعة (ناضِرَةٌ) من النضرة بالضاد وهي النعمة والرفاهية أي : هي بهية مشرقة عليها أثر النعمة بحيث يدل ذلك على نعمة أصحابها.

(إِلى رَبِّها) أي : المحسن إليها خاصة باعتبار أن عد النظر إلى غيره كلا نظر (ناظِرَةٌ) أي : دائما هم محدقون أبصارهم لا غفلة لهم عن ذلك ، فإذا رفع الحجاب عنهم أبصروه بأعينهم بدليل التعدّي بإلى ، وذلك النظر جهرة من غير اكتتام ولا تضامّ ولا زحام كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وأكثر المفسرين ، وجميع أهل السنة ، وروي عن النبيّ عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة من وجوه كثيرة بحيث اشتهر غاية الشهرة ، وتكون الرؤية كما مثلت في الأحاديث كما يرى القمر ليلة البدر أي : كل من يريد رؤيته من بيته يراه مجليا له ، هذا وجه الشبه ، لا أنه في جهة ولا في حالة لها شبيه تعالى الله الكريم عن التشبيه.

فمن تلك الأحاديث ما روي عن جرير بن عبد الله قال : «خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا ، ثم قرأ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها)(١) [طه : ١٣٠].

وفي كتاب النسائي عن وهب قال : «ينكشف الحجاب فينظرون إليه ، فو الله ما أعطاهم شيئا أحبّ إليهم من النظر ولا أقر لأعينهم» (٢).

وعن جابر قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يتجلى ربنا عزوجل حتى ننظر إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول تعالى : ارفعوا رؤوسكم ، فليس هذا يوم عبادة» (٣).

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٥١ ، والترمذي في الجنة حديث ٢٥٥١.

(٢) أخرجه الترمذي في الجنة حديث ٢٥٥٢ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ١٨٧.

(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ١٠٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٩٢.

٤٩٦

وقدم الجارّ الدال على الاختصاص إشارة إلى أنّ هذا النظر مباين للنظر إلى غيره ، فلا يعد ذلك نظرا بالنسبة إليه وعبر بالوجوه عن أصحابها ؛ لأنها أدل ما يكون على السرور ، وليكون ذكرها أصرح في أنّ المراد بالنظر حقيقته.

روى مسلم في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] كان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم تلا هذه الآية.

وأنكر الرؤية المعتزلة ، واحتجوا بقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ويقولون : النظر المقرون بإلى ليس اسما للرؤية بل لمقدّمة الرؤية وهي تقليب الحدقة نحو المرئيّ التماسا لرؤيته ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة وكالإصغاء بالنسبة إلى السمع ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨] فأثبت النظر حال عدم الرؤية ، فتكون الرؤية غاية النظر وأنّ النظر يحصل والرؤية غير حاصلة. قالوا : ويمكن أن يكون معنى قوله تعالى : (ناظِرَةٌ) منتظرة كقولك أنا أنظر إليك في حاجتي.

وأجيب عن استدلالهم بقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) بأن لا تدركه بالإحاطة والجهة فلا يكون ذلك مانعا للرؤية على هذا الوجه وعن بقية استدلالهم بما ذكروه بجوابين :

أحدهما : أن نقول : النظر هو الرؤية لقول موسى عليه‌السلام (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] فلو كان المراد تقليب الحدقة نحو المرئي لاقتضت الآية إثبات الجهة والمكان ، ولأنه أخر النظر عن الإراءة فلا يكون تقليب الحدقة.

الجواب الثاني : سلمنا ما ذكرتموه من أنّ النظر تقليب الحدقة تعذر حمله على الحقيقة فيجب حمله على الرؤية إطلاقا لاسم السبب على المسبب وهو أولى من حمله على الانتظار لعدم الملازمة ؛ لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية ، ولا تعلق بينه وبين الانتظار.

وأمّا قولهم بحمله على الانتظار فأجيب عنه أيضا بأن الذي هو بمعنى الانتظار في القرآن غير مقرون بإلى ، كقوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] والذي ندعيه أن النظر المقرون بإلى ليس إلا بمعنى الرؤية ؛ لأنّ وروده بمعنى الرؤية ظاهر فلا يكون بمعنى الانتظار دفعا للاشتراك.

ولما ذكر تعالى أهل النعمة أتبعه أضدادهم من أهل النقمة فقال سبحانه وتعالى : [سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٢٤ الى ٤٠]

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))

(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) أي : في ذلك اليوم بعينه (باسِرَةٌ) أي : شديدة العبوس والكلوح والتكره لما هي فيه من الغم كأنها قد غرقت فيه. وقال السدي : (باسِرَةٌ) متغيرة.

(تَظُنُ) أي : يتوقع أربابها بما ترى من المخايل (أَنْ يُفْعَلَ بِها) أي : بهم فإنه إذا أصيب الوجه الذي هو أشرف ما في الجملة كان ما عداه أولى (فاقِرَةٌ) وهي الداهية العظيمة ، قال أبو عبيدة : سميت بذلك لأنها تكسر فقار الظهر يقال : فقرته الفاقرة أي : كسرت فقار ظهره ومنه سمي

٤٩٧

الفقير لانكسار فقاره من القل. وقال قتادة : الفاقرة الشر ، وقال السدي : الهلاك. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : دخول النار. وقال الكلبي : هي أن تحجب عن رؤية الربّ عزوجل.

وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة قاله البيضاوي تبعا للزمخشري ، وزاد الزمخشري كأنه قيل : ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا إلى ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنقلبون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين (إِذا بَلَغَتِ) النفس (التَّراقِيَ) وأضمر النفس وإن لم يجر لها ذكر ؛ لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها كما قال حاتم (١) :

أماويّ ما يغني الثراء عن الغنى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

وتقول العرب : أرسلت ، يريدون جاء المطر ، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء. والتراقي : جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال ، ولكل إنسان ترقوتان. قال البقاعي : ولعله جمع المثنى إشارة إلى شدة انتشارها بغاية الجهد لما فيه من الكرب لاجتماعها من أقاصي البدن إلى هناك ا. ه. وهذا كناية عن الإشفاء على الموت ذكرهم صعوبة الموت وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها.

(وَقِيلَ) أي : قال حاضر وصاحبها وهو المحتضر بعضهم لبعض (مَنْ راقٍ) أي : أيكم يرقيه مما به ليحصل له الشفاء. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هو من كلام ملائكة الموت ، أي : أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، فالأول اسم فاعل من رقى يرقى بمعنى الرقية بالفتح في الماضي والكسر في المضارع. والثاني : الذي بمعنى الصعود بالكسر في الماضي والفتح في المضارع.

(وَظَنَ) أي : أيقن المحتضر لما لاح له من أنوار الآخرة ، وقيل : القائل من راق من أهله (أَنَّهُ) أي : الشأن العظيم الذي هو فيه (الْفِراقُ) لما كان أي : فيه من محبوب العاجلة الذي هو الفراق الأعظم الذي لا فراق مثله ، ففي الخبر إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول : السلام عليك تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة ، وسمي اليقين هنا بالظن لأنّ الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه ، فإنه يطمع في الحياة لشدّة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها ، أو أنّ المراد الظن الغالب إذ لا يحصل يقين الموت مع رجاء الحياة. وقيل : سماه بالظن تهكما قال الرازي : وهذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن لأنه تعالى سمى الموت فراقا ، والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقية ، فإنّ الفراق والوصال صفة والصفة تستدعي وجود الموصوف.

(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) أي : اجتمعت إحداهما بالأخرى إذ الالتفاف الاجتماع ، قال تعالى : (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) [الإسراء : ١٠٤] ومعنى الكلام اتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن وغيرهما. وقال الشعبي : التفت ساق الإنسان عند الموت من شدة الكرب. قال قتادة : أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب برجله على الأخرى ،

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ١٩٩ ، والأغاني ١٧ / ٢٩٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣٤ ، ١١٣٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٢ ، والدرر ١ / ٢١٥ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٥٢ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٦١ ، ولسان العرب (قرن).

٤٩٨

وقال سعيد بن المسيب : هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم : التفت ساق الكفن بساق الميت. وقال الضحاك : الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقال السدي : لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه ، وأول الأقوال كما قال النحاس : أحسنها ، والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد والمحن العظام ، ومنه قولهم قامت الحرب على ساق ، قال أهل المعاني : لأنّ الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه ، فقيل للأمر الشديد : ساق. قال الجعدي (١) :

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

ولما صور وقت تأسفه على الدنيا وإعراضه عنها ذكر غاية ذلك ، فقال تعالى مفردا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم هذا حق فهمه غيره (إِلى رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بجميع ما أنت فيه (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ وقع هذا الأمر (الْمَساقُ) أي : السوق إلى حكمه تعالى فقد انقطعت عنه أحكام الدنيا فإما أن تسوقه الملائكة إلى سعادة وإمّا إلى شقاوة.

والضمير في قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ) راجع للإنسان المذكور في (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أي : فلا صدّق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخبره به بما كان يعمل من الأعمال الخبيثة ولا في ماله بالإنفاق في وجوه الخير التي ندب إليها واجبة كانت أو مندوبة. وحذف المعمول لأنه أبلغ في التعميم.

(وَلا صَلَّى) أي : ما أمر به من فرض وغيره فلا تمسك بحبل الخالق ولا وصل حبل الخلائق ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يصدق بالرسالة ولا صلى ، أي : دعا لربه عزوجل وصلى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال قتادة : فلا صدق بكتاب الله تعالى ولا صلى لله جل ذكره.

(وَلكِنْ) أي : فعل ضد ما أمر به بأن (كَذَّبَ) أي : بما أتاه به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قرآن وغيره (وَتَوَلَّى) أي : أعرض عنه وهذا الاستدراك واضح إذ لا يلزم من نفي التصديق والصلاة التكذيب والتولي. وقال القرطبي : معناه : كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان. وقيل : نزلت في أبي جهل.

(ثُمَّ ذَهَبَ) أي : هذا الإنسان أو أبو جهل (إِلى أَهْلِهِ) غير متفكر في عاقبة ما فعل من التكذيب حالة كونه (يَتَمَطَّى) أي : يتبختر افتخارا بتكذيبه وإعراضه وعدم مبالاته بذلك وأصله يتمطط أي : يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه ، وإنما أبدلت الطاء الثانية ياء كراهة اجتماع الأمثال ، وقيل : هو من المطا وهو الظهر لأنه يلويه تبخترا في مشيته.

وقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ) فيه التفات من الغيبة والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي : وليك ما تكره (فَأَوْلى) أي : فهو أولى بك من غيرك.

وقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) تأكيد وقيل : هذه الكلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه ، وأصلها من الولي وهو القرب. قال الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) [التوبة : ١٢٣] وقال قتادة : ذكر لنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزلت هذه الآية «أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء ، وقال له : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) فقال أبو جهل : أتوعدني يا محمد فو الله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، وإني والله لأعز من مشى بين جبليها». فلما كان يوم بدر صرعه الله

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في البيان والتبيين ٤ / ٦٠.

٤٩٩

شر مصرع وقتله أسوأ قتلة ، قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لكل أمة فرعون ، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل» (١).

(أَيَحْسَبُ) أي : يجوّز لقلة عقله (الْإِنْسانُ) أي : الذي هو عبد مربوب ضعيف عاجز محتاج بما يرى من نفسه وأبناء جنسه (أَنْ يُتْرَكَ) أي : يكون تركه بالكلية (سُدىً) أي : هملا لاغيا لا يكلف ولا يجازى ولا يعرض على الملك الأعظم الذي خلقه فيسأله عن شكره فيما أسدى إليه ، فإنّ ذلك مناف للحكمة فإنها تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن المساوئ والجزاء على كل منهما ، وأكثر الظالمين والمظلومين يموتون من غير جزاء فاقتضت الحكمة أنه لا بدّ من البعث للجزاء.

(أَلَمْ يَكُ) أي : الإنسان (نُطْفَةً) أي : شيئا يسيرا (مِنْ مَنِيٍ) أي : ماء من صلب الرجل وترائب المرأة (يُمْنى) أي : تصب في الرحم سبب الله تعالى للإنسان المعالجة في إخراجها بما ركب فيه من الشهوة ، وجعل له من الزوج التي يسرها لقضاء وطره حتى أنّ وقت صبها في الرحم تصب منه بغير اختياره حتى كأنه لا فعل له فيها أصلا.

فإن قيل : ما فائدة (يُمْنى) بعد قوله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ؟) أجيب : بأن فيه إشارة إلى حقارة حاله كأنه قيل : إنه مخلوق من المني الذي يجري على مجرى النجاسة فلا يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله تعالى إلا أنه عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى عليه‌السلام وأمه مريم (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة : ٧٥] والمراد منه قضاء الحاجة.

(ثُمَّ كانَ) أي : كونا محكما (عَلَقَةً) أي : دما أحمر غليظا شديد الحمرة والغلظ (فَخَلَقَ) أي : قدر سبحانه عقب ذلك لحمه وعظامه وعصبه وغير ذلك من جواهره وأعراضه (فَسَوَّى) أي : عدّل من ذلك خلقا آخر غاية التعديل شخصا مستقلا.

(فَجَعَلَ) أي : بسبب النطفة (مِنْهُ) أي : من المنيّ الذي صار علقة ، أي : قطعة دم ثم مضغة أي : قطعة لحم (الزَّوْجَيْنِ) أي : النوعين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) يجتمعان تارة وينفرد كل منهما عن الآخر تارة. قال القرطبيّ : وقد احتج بهذه الآية من رأى إسقاط الخنثى ، وأجيب بأن هذه الآية وقرينتها خرجت مخرج الغالب أو أنه في نفس الأمر ذكر أو أنثى.

(أَلَيْسَ ذلِكَ) أي : الخالق المسوي الإله الأعظم الذي قدر على تمييز ما يصلح من ذلك للذكر وما يصلح منه للأنثى (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي : أن يعيد هذه الأجسام كهيئتها للبعث بعد البلى. «روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأها قال : سبحانك اللهم بلى» (٢) رواه أبو داود والحاكم ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : من قرأ سبح اسم ربك الأعلى إماما كان أو غيره فليقل سبحان ربي الأعلى ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة إلى آخرها فليقل سبحانك اللهم بلى إماما كان أو غيره. وروى البغوي بسنده من طريق أبي داود عن أعرابيّ عن أبي هريرة قال : «قال

__________________

(١) أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات ١٠٠.

(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ٨٨٤ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥١١.

٥٠٠